في 4 نوفمبر (تشرين الأول) لعام 2009م طالعتنا قناة الجزيرة الإخبارية ضمن فقرة "وللقصة بقية" في نشرة اخبار منتصف اليوم بقصة رجل سوداني يدعى "إبراهيم بلال آدم"، يعيش في العراق منذ عشرين سنة يهيم على وجهة بين روحة وغداة، وفشلت كل محاولاته للعودة إلى بلده لأنه لا يمتلك أوراق ووثائق هويته حتى فقد الأمل في العودة إلى أهله وذويه في وطنه السودان. واستقر به الحال في إقليم كوردستان يرعى بعض الأغنام والماعز، ويعيش في حجرة متواضعة. وما أن بُثت هذه القصة على قناة الجزيرة إلا وتلقفتها إنسانية المسئولين في إقليم كوردستان بكل اهتمام، فبسرعة تم الاتصال بالسيد إبراهيم آدم، وتم الاستوثاق من شخصيته ومما بثته قناة الجزيرة، نظرا للظروف الأمنية التي تعيشها المنطقة، وقام المسئولون الكورد بالاتصال بوزارة الخارجية السودانية عن طريق السفارة السوانية في العراق والتي مقرها الأردن حاليا (بشكل مؤقت). وخلصت تلك المجهودات إلى ان إبراهيم أدم انسان صالح وليس له أية علاقة بالإرهابيين والمخربين. ومن ثم أسرعت حكومة الإقليم بتحقيق رغبته وحلمه الذي فقده، وهو عودته إلى وطنه لملاقاة أهله وذويه. فاستخرجت له كل الوثائق اللازمة من إثبات الهوية الشخصية، وجواز السفر، وتذكرة السفر؛ لتسير كل الأمور بشكل قانوني وإنساني رائع. لقد بدت البهجة والسرور على وجه إبراهيم آدم، وأضحي فرحاناً، مثلج الصدر مما تقوم به الحكومة الكوردية في الإقليم، وكذلك المسئولون في السودان. أصبح الغناء ينساب من بين شفيه وهو يرعى غنمه بعدما كانت جافة في سنوات الحرمان. وبكل سهولة ويسر تسلم إبراهيم أوراقه ومستنداته، وعقد العزم على السفر. لقد جاءت لحظة الوداع. وقف إبراهيم شاخصا بصره على كل موقف مر به في العراق، وعلى كل لحظة مرت عليه في كوردستان، نظر إلى طبيعة كوردستان الجغرافية متاملأ .. لم يتمالك نفسه فذرفت عيناه بالدموع، إلتفت إلى أصحابه ومعارفة من الكورد الذين عايشهم وعايشوه كاحد افراد أسرتهم، فارتمى في حضن كل واحد منهم جاشيا بالبكاء الحار، حيث بادلوه الشعور نفسه. نظر إلى حجرته فوجدها تئن عليه كما أَنّ جذع النخلة على فراق الرسول الكريم له. إنها لحظات عصيبة لم يكن إبراهيم يتوقع إن تصل إلى تلك الدرجة. ولكن الجميل هو التواصي بينه وبين أصدقائه على التواصل بالوسائل المختلفة، ورجوه أن يزورهم في المستقبل. وهذا من شيم التواد العربي الكوردي الذي يحاول المغرضون تعكير صفوه. لقد توجه إبراهيم إلى مطار أربيل الدولي برفقة مسئولين كورد ليستقل طائرته إلى عمان، ومنها إلى الخرطوم، ولكنه وقف على أعلى سلم الطائرة، محلقا بنظره إلى كوردستان، وعيناه ممتلئة بدموع الفرح ودموع الشجن، لينهي تلك اللحظات ببكاء شديد جعل أحد افراد طاقم الطائرة يسنده حتى أوصله إلى كرسيه المخصص له.
وعندما وصل الخرطوم كانت المشاهد مذهلة، حيث استقبله أهله وعدد من المسئولين من الخارجية السودانية في جو من البهجة والسرور، مبدين شكرهم وامتنانهم لإقليم كوردستان ومسئوليه، حيث كانت إنسانيتهم السبب الرئيسي في تحقيق امنياتهم تلك. والأجمل من ذلك تصريح المسئولين الكورد بأن هذه المجهودات ما هي إلا أمر طبيعي، ومن أول الوجبات علينا تجاه كل من يعيش في إقليم كوردستان.
فالشكر كل الشكر لحكومة الإقليم على تلكم اللفتة الإنسانية الرائعة، حيث تعد معولاً قوياً دُق في ظهور المغرضين الذين يرون في مصلحتهم تعكير صفو العلاقات الكوردية العربية شعبياً ورسمياً. كما أن تلك اللفتة يجب أن تحذوها عدد من الحكومات العربية.
محمود زايد – القاهرة
كتجربة فقط
ردحذف